معجزة غزة: عندما تهزم الإرادة الأسطول والتكنولوجيا

كيف خسرت إسرائيل حربها في غزة أمام مقاومة لا تُرى؟

في حربها المستمرة منذ شهور على قطاع غزة، وجدت إسرائيل نفسها أمام واقع عسكري ونفسي غير مسبوق. فعلى الرغم من امتلاكها أحد أقوى جيوش المنطقة، والدعم العسكري الغربي المفتوح، والتفوق التكنولوجي الهائل، إلا أن خسائرها باتت تشير بوضوح إلى فشل استراتيجي وأخلاقي في آن واحد.

قوة النار… وانهيار النتائج

وفق خبراء عسكريين غربيين، فإن إسرائيل استخدمت في هذه الحرب ترسانة تكفي لإبادة قارة صغيرة. فقد نُقل إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي ما يكفي من الذخائر والأسلحة، وفق خبير عسكري أمريكي، “لتدمير مساحة تعادل عشرة أضعاف غزة، بما يعادل القوة التدميرية لست قنابل نووية.”

ومع كل هذه الترسانة، لم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وعلى رأسها “تفكيك قدرات المقاومة” أو حتى “استعادة الرهائن.” بل ازدادت خسائر الجيش الإسرائيلي في الأرواح والآليات، وباتت كتائب المقاومة تظهر قدرة متقدمة على إدارة المعركة، والكمائن، والتخفي، والمرونة التكتيكية.

كيف تهزمك من لا تراها؟

المفارقة الأكثر إرباكًا للقيادة العسكرية الإسرائيلية ليست فقط في حجم المقاومة، بل في شكلها. سماء غزة، كما يؤكد ضباط استخبارات، أصبحت أكثر الفضاءات الجوية ازدحامًا بطائرات التجسس الإسرائيلية والأمريكية والفرنسية والبريطانية، ومع ذلك، تفاجئ المقاومة العالم بعمليات لا يُكتشف أصحابها إلا بعد التنفيذ.

من يقاتل في غزة؟ كيف يمكن لمجموعة من المقاتلين المحاصرين منذ سنوات، المحرومين من أبسط مستلزمات الحرب النظامية، أن ينجحوا في تنفيذ عمليات نوعية في ظل رقابة استخباراتية كاملة؟

الجواب، كما يصفه خبير عسكري بريطاني، “ليس فقط في التكتيك، بل في شيء آخر لا يمكن رصده، هناك قوة خفية في غزة، لا يمكن تفسيرها ضمن المعايير التقليدية.”

المعجزة التي أربكت الجنرالات

أمام هذه الوقائع، تتكرر كلمة “المعجزة” في شهادات الخبراء والمراقبين. في فيديوهات من أرض المعركة، يظهر مقاتل فلسطيني يقترب من آلية إسرائيلية ويضع عبوة ناسفة بكل ثبات. في مشهد آخر، أطفال يلعبون ببقايا صواريخ لم تنفجر وكأن لا خطر يحيط بهم. في عُرف الجيوش النظامية، هذا الجنون.

لكن في غزة، يبدو أن الإيمان، والانتماء، والعقيدة القتالية قد صنعت مقاتلين من طراز لم يُعرف له مثيل. مقاتلون يتحركون بثقة في بيئة تعتبر الأكثر تعقيدًا عسكريًا، وينجحون في إسقاط هيبة جيش ادعى أنه لا يُهزم.

أزمة إسرائيل: خسارة أكثر من حرب

خسائر إسرائيل لم تكن فقط في العتاد والجنود، بل في الروح المعنوية، والمكانة الإقليمية، وحتى داخل مجتمعها. بات الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص في الجنود المتحمسين، وشهدت وحداته الميدانية تراجعًا ملحوظًا في الأداء، بل وصلت الأمور إلى حد اعتراف قادة عسكريين بأن “العدو يعرف الأرض أفضل منا، ويقاتل دون خوف.”

وأكثر ما يقلق إسرائيل اليوم، ليس فقط أنها لم تهزم المقاومة، بل أنها لا تعرف كيف تنهي هذه الحرب.

لماذا يجب على إسرائيل البحث عن مخرج؟

الاستمرار في الحرب لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاستنزاف. فقد ثبت أن الحسم العسكري مستحيل، وأن المقاومة ليست على وشك الانهيار، بل إنها تزداد جرأة وخبرة. كما أن الرأي العام العالمي بدأ يتغير، وتتكشف جرائم الحرب والدمار الهائل الذي طال المدنيين والبنية التحتية.

من مصلحة إسرائيل، سياسيًا واستراتيجيًا، البحث عن مخرج يحفظ لها ما تبقى من ماء وجهها. فالحرب التي بدأت بـ”سحق حماس” انتهت باعتراف دولي ضمني بأن هذه المقاومة باتت طرفًا لا يمكن تجاوزه.

غزة… حيث يقاتل الإيمان

الظاهرة الغزاوية، بكل تعقيداتها، تجاوزت حدود التحليل العسكري. إنها نموذج حي على أن الشعوب المظلومة، حين تتسلح بالإيمان، والصبر، والمعرفة بالأرض، قد تُفشل أعتى الجيوش.

قد تكون حرب غزة نقطة تحوّل في الصراع العربي الإسرائيلي، ودرسًا تاريخيًا بأن الإرادة لا تقاس بالحجم، وأن معجزات العصر ليست بالضرورة خارقة للطبيعة، بل قد تكون ببساطة: “شعب قرر ألا يُهزم”.

نسيمة شرلاح.

زر الذهاب إلى الأعلى