محطة تحلية المياه “فوكة 2” قاطرة الأمن المائي في الجزائر
في ظل تراجع معدلات الأمطار وتصاعد المخاطر المناخية التي تحد من توفر المياه، تعد محطة تحلية مياه البحر “فوكة 2” المنجزة بكامل طاقتها إنتاجيًا رمزًا للتخطيط الاستباقي والتحول الاستراتيجي نحو مصادر غير تقليدية للمياه. بطاقة إنتاج تبلغ 300 ألف م³ يوميًا، ستشكل هذه المحطة – الفعالة منذ 22 فبراير – نقطة انطلاق نحو مضاعفة اعتماد الجزائر على تحلية مياه البحر كمورد شبه دائم، وتصب في توجه وطني طموح يهدف إلى أن تغطي التحلية نحو 60–65٪ من الطلب الوطني بحلول 2030 .
هذا الإنجاز، الذي شيد خلال 25 شهرًا بالكامل بسواعد جزائرية ضمن برنامج وطني بلغت قيمته حوالى 2.4 مليار دولار لخمس محطات متطابقة، يعكس قدرة الجزائر على تأسيس بنية سيادية وبعيدة المدى لمجابهة ندرة المياه .
المحطة لا تقتصر على دورها التقني، بل تُرسّخ منظومة وطنية للريادة الإقليمية، إذ أصبحت الجزائر ثاني أكبر دولة منتجة للمياه المحلاة في حوض البحر المتوسط، بعد السعودية، الأمر الذي يعزز مكانتها المائية والاستراتيجية إقليميًا.
مشروع ضخم بمواصفات عالية
تم إنجاز المحطة على مساحة تبلغ نحو 7.15 هكتار، وتضم 6 وحدات إنتاج، تبلغ طاقة كل وحدة 50 ألف م³/يوم. ويعتمد المشروع على تقنية التناضح العكسي (RO) لمعالجة مياه البحر وضمان جودتها العالية كمصدر للمياه الصالحة للشرب.
ولتأمين تزويد المحطة بالمياه الخام، تم إنشاء قناتين ساحليتين بطول كيلومتر لكل منهما، قادرتين على تغذية المحطة بشكل مستقل، ما يعزز موثوقية واستمرارية التشغيل حتى في الظروف الطارئة.
من حجر الأساس إلى التشغيل الكامل في 20 شهرًا
تم وضع حجر الأساس للمشروع في 5 يوليو 2023، لتبدأ بعدها مراحل البناء بوتيرة متسارعة. وفي 26 يناير 2025، انطلقت أولى عمليات التشغيل التجريبي للمحطة، والتي توّجت بتدشين رسمي وتشغيل كامل في 22 فبراير 2025.
نسبة الإنجاز بلغت في نهاية 2024 نحو 92.2٪، ما يعكس كفاءة التخطيط والتنفيذ رغم التحديات اللوجستية والتقنية المرتبطة بحجم المشروع.
تمويل وطني وإنجاز جزائري خالص
تندرج محطة “فوكة 2” ضمن البرنامج الوطني لإنجاز خمس محطات تحلية كبرى، بتمويل إجمالي يُقدّر بـ 2.4 مليار دولار، أي نحو 300 مليون دولار لكل محطة.
وتولت الإشراف على المشروع الشركة الجزائرية للطاقة (AEC)، التابعة لمجمع سوناطراك، في حين أسند التنفيذ إلى شركة كوسيدار–القنوات، حيث نُفّذ المشروع بالكامل بسواعد وطنية، وهو ما يُعدّ إنجازًا يُعزز السيادة التقنية والصناعية للجزائر في قطاع المياه.
أثر مباشر على 3 ملايين نسمة
ستساهم المحطة في تأمين مياه الشرب لنحو 3 ملايين مواطن في كل من الجزائر العاصمة، تيبازة، وأجزاء من ولاية البليدة، ما يخفف الضغط عن السدود ويضمن استقرار التوزيع، خصوصًا في فترات الجفاف.
كما تشكل المحطة دعامة محورية في البرنامج الوطني للأمن المائي، الذي يستهدف رفع مساهمة التحلية إلى 65٪ من إجمالي الطلب الوطني على المياه بحلول عام 2030، بطاقة إجمالية تقدر بـ 3.7 مليون متر مكعب يوميًا من خمس محطات.
ريادة جزائرية إقليمية
مع دخول “فوكة 2” حيز الخدمة، تقترب الجزائر من موقع الريادة في مجال تحلية المياه على المستوى الإفريقي والعربي، لتصبح ثاني أكبر منتج للمياه المحلاة بعد السعودية، معززة بذلك موقعها الاستراتيجي في مواجهة التحديات المائية إقليميًا.
رؤية مستقبلية المحطة
تُجسد محطة “فوكة 2” نموذجًا للتخطيط الاستراتيجي والرؤية المستقبلية في إدارة الموارد المائية. فهي ليست مجرد مشروع تقني، بل أداة سيادية لمواجهة شح الموارد، وتكريس التمكين الوطني في قطاع حساس.هي
على المدى القصير، تعزز هذه المحطة استقرار تزويد المواطنين بالمياه، أما على المدى المتوسط والطويل، فهي عنصر أساسي في منظومة التحول نحو مصادر غير تقليدية مستدامة، في ظل تغير المناخ وتزايد الطلب الحضري.
نسيمة شرلاح.