الباحث والخبير الاقتصادي فريد مالكي لدينا براس: “تنويع الاقتصاد في الجزائر ضرورة حتمية للخروج من عباءة النفط”

أكد الباحث والخبير الاقتصادي فريد مالكي، في تصريح خص به موقع دينا براس، أن تنويع القاعدة الإنتاجية في الجزائر بات أكثر من ضرورة، بل هو خيار استراتيجي تفرضه التقلبات الحادة في أسعار النفط والاختلالات الهيكلية في السياسة المالية، داعيا إلى اعتماد مسار تنموي متكامل قادر على بناء اقتصاد متوازن ومستدام.

ويرى مالكي أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي يمر عبر تقوية البنية الإنتاجية للبلاد وتوسيع أنشطة القطاعات غير النفطية، سواء من حيث تعدد السلع والخدمات أو فتح أسواق جديدة، خاصة الدولية منها. ويشير إلى أن هذه الرؤية لا تعزز فقط مرونة الاقتصاد الوطني تجاه الصدمات، بل تتيح أيضاً مواجهة تحديات المنافسة العالمية وضمان النمو المستدام على المدى البعيد، في ظل واقع يعتمد فيه الاقتصاد الجزائري على مصدر واحد للدخل وهو النفط والغاز.

وفي قراءته لهيكل الاقتصاد الوطني، كشف الخبير أن النفط لا يزال يمثل العمود الفقري للناتج المحلي الإجمالي بنسبة تفوق 60%، بينما تظل مساهمة القطاعات الإنتاجية للقطاع الخاص محدودة عند 7.5%، وتغلب على بقية الناتج مساهمة الخدمات الحكومية. وحتى القطاعات غير النفطية، يضيف مالكي، غالبًا ما تدور في فلك قطاع المحروقات، من خلال الاعتماد على الصناعات المرتبطة به كالتكرير والبتروكيماويات والبناء، ما يضعف من استقلاليتها وقدرتها على خلق قيمة مضافة حقيقية.

واعتبر الباحث أن ضعف التنسيق بين السياسة المالية والخطط التنموية من الأسباب الجوهرية في تباطؤ وتيرة التنوع الاقتصادي، مشيرا إلى أن فترات الطفرة النفطية السابقة قادت إلى الإسراف في الإنفاق الجاري على حساب الاستثمار، ما زاد من حجم الاستيراد وأضعف القدرة الإنتاجية المحلية، خصوصًا مع غياب سياسة فعالة لحماية وتشجيع المنتج الوطني.

وفي معرض حديثه عن تحديات الهيمنة النفطية، أوضح مالكي أن هذا القطاع يظل عرضة لعوامل خارجية أكثر تأثيرًا، كأحجام الإنتاج والأسعار العالمية، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الإيرادات الحكومية وعلى أداء باقي القطاعات الاقتصادية المرتبطة مباشرة بالإنفاق العمومي.

وفي هذا السياق، دعا الخبير إلى تبني استراتيجية اقتصادية جديدة تواكب الواقع وتقوم على تنويع مصادر الدخل من خلال استغلال جميع الموارد الوطنية، سواء الطبيعية كالمعادن والطاقة، أو المكتسبة مثل التكنولوجيا ورأس المال البشري، إلى جانب ترشيد استخدام الموارد المالية عبر اختيار المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية وتعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا والمعرفة.

كما شدد مالكي على أن القطاع النفطي، رغم ضخامته، لا يشكل مصدرًا كافيًا لتوفير فرص العمل، كونه يعتمد على رأس مال مكثف ويولد عددًا محدودًا من الوظائف، ما أدى إلى تركز التوظيف في القطاع الحكومي دون تحقيق نقلة نوعية في تطوير العنصر البشري أو التمكين الاقتصادي للمجتمع.

وأكد أن الحاجة إلى التنويع الاقتصادي تتضاعف في الدول المصدرة للنفط كالجزائر بسبب حساسية اقتصادها للتقلبات النفطية، لكنها بالمقابل تبقى ضرورة لكافة الاقتصادات في العالم، نظرًا لما توفره من ديناميكية واستدامة في النمو وتخفيف التبعية لمصدر دخل واحد.

واختتم مالكي تصريحها بالتوصية بضرورة تصميم سياسة مالية مرنة تأخذ بعين الاعتبار تقلبات أسعار النفط، بحيث تكون مضادة للدورة الاقتصادية: أي زيادة الإنفاق في أوقات الركود النفطي لتفادي الانكماش، وضبطه في أوقات الرخاء لتفادي التضخم وتزاحم الإنفاق الخاص، مؤكدا أن هذه المقاربة تضمن فعالية الإنفاق العام وتحقيق أثره الإيجابي على النمو.

✍️ إعداد: نسيمة شرلاح.

زر الذهاب إلى الأعلى