واشنطن – الجزائر: شراكة جديدة تُعيد رسم خرائط النفوذ في المنطقة
منذ توقيع مذكرة التفاهم الدفاعية بين الجزائر والولايات المتحدة في جانفي 2025، تسارعت وتيرة التحولات الجيوسياسية بشكل لافت. لم تعد الجزائر “بلدًا هامشيًا” أو مجرد شريك محتمل في نظر واشنطن، بل أضحت لاعبًا إقليميًا ذا قدرة تفاوضية نادرة، بحسب ما كشفه تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى من إعداد الباحثة سابينا هينبرغ.
✍️ بقلم: نسيمة شرلاح
من “الهامش” إلى قلب الملفات الكبرى
لطالما تعاملت واشنطن مع الجزائر ببرود نسبي، مفضّلة التحالفات الكلاسيكية مع المغرب أو فرنسا في إدارة شؤون المنطقة. لكن المتغيرات الدولية – خاصة الانسحاب الغربي من الساحل الأفريقي، وأزمة الطاقة العالمية – دفعت واشنطن إلى إعادة تقييم أولوياتها في شمال إفريقيا.
التقرير يؤكد أن الجزائر لم تعد “تدور في الفلك”، بل أصبحت محورًا أساسيا في ملفات استراتيجية تشمل:
✅ أمن الساحل: حيث باتت الجزائر شريكًا أمنيًا بديلًا بعد التراجع الفرنسي الأميركي.
✅ الطاقة: بفضل امتلاكها ثالث أكبر احتياطي عالمي من الغاز الصخري.
✅ الهجرة: مع تنامي دورها كدولة عبور واستقرار لموجات المهاجرين.
أمن الساحل: الجزائر تسدّ الفراغ الأميركي – الفرنسي
يشير التقرير إلى أن الانسحاب التدريجي للوجود العسكري الفرنسي والأميركي من دول الساحل، خلّف فراغًا استراتيجيًا ملأته الجزائر بسرعة، مستفيدة من:
خبرة ميدانية في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
علاقات مستقرة مع دول الساحل من النيجر إلى مالي.
قدرة على توفير بدائل استخباراتية وأمنية للغرب، دون التورط العسكري المباشر.
واشنطن، التي لم تعد تثق ببعض حلفائها التقليديين في المنطقة، تجد في الجزائر شريكًا واقعيًا يوازن بين المبادئ والسيادة والفعالية.
⚡الطاقة والبيئة: الغاز الصخري وتحلية المياه في صلب الاهتمام
من أبرز المؤشرات على تحول النظرة الأميركية نحو الجزائر هو الاهتمام المتزايد بـ:
استغلال الغاز الصخري، والذي يتطلب استثمارات وتقنيات أميركية متطورة.
مشاريع تحلية المياه لتوفير الموارد المائية الضرورية للصناعات الطاقوية.
الطاقات المتجددة، حيث أبدت واشنطن استعدادًا لنقل تكنولوجيا حديثة لدعم الانتقال الطاقوي الجزائري.
التقرير يشير إلى أن هذه الشراكات تُبنى على أساس الندية، حيث تشترط الجزائر احترام سيادتها ورفض أي تبعية سياسية أو عسكرية.
الزراعة والغذاء: بوابة تكساس نحو السوق الجزائرية
في خطوة تُعدّ رمزية واستراتيجية في آن، تم الترخيص لتصدير أبقار حلوب من ولاية تكساس نحو الجزائر. هذه المبادرة ليست تجارية فقط، بل:
تمهد لانفتاح أكبر في السوق الغذائية الجزائرية.
تمثل مدخلاً لشراكة زراعية متقدمة تشمل الأمن الغذائي، الصحة الحيوانية، وتكنولوجيا الإنتاج.
تعزز الروابط بين الفاعلين الاقتصاديين في الجنوب الأميركي وشمال أفريقيا.
🧭 توازن جديد في العلاقات الدولية
ما يُميز التحول الحالي في العلاقة الأميركية-الجزائرية هو أن الطرفين يُدركان حدود اللعبة:
الجزائر لا ترغب في تحالفات مغلقة، ولا تقبل الابتزاز أو المقايضة على سيادتها.
الولايات المتحدة تدرك أنها بحاجة إلى شراكات قائمة على الثقة والاحترام المتبادل، لا على “العلاقات الوصائية”.
وفي هذا السياق، تصف الباحثة سابينا هينبرغ الجزائر بأنها “دولة ذات قدرة تفاوضية نادرة”، تستطيع أن توازن بين الشرق والغرب، وتحافظ على استقلالية قرارها رغم الضغوط المتعددة.
✅ الجزائر اليوم ليست “حليفًا محتملًا”، بل شريك لا يمكن تجاوزه في حسابات واشنطن الجديدة، خاصة في ملفات الأمن والطاقة والغذاء. ومن الواضح أن صيغة الشراكة المستقبلية ستكون مختلفة كليًا عن نماذج ما بعد 11 سبتمبر أو الربيع العربي.
إنها بداية تحالف جديد، قائم على الندية والواقعية، قد يعيد تشكيل التوازنات في شمال إفريقيا والساحل خلال العقد القادم.