ثورة الذكاء الاصطناعي تهدد ملايين الوظائف.. والبقاء للأكثر تطورا وتدريبا

بينما تواصل تقنيات الذكاء الاصطناعي تطورها المتسارع، يجد سوق العمل العالمي نفسه على أعتاب تحول جذري غير مسبوق. فالتقنيات التي كانت بالأمس جزءاً من الخيال العلمي أصبحت اليوم واقعاً يفرض نفسه على كل قطاع، ويغيّر طبيعة الوظائف، بل ويعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والعمل.

ورغم أن الذكاء الاصطناعي يعد بفرص نمو هائلة، فإن التهديد الذي يمثله على الوظائف التقليدية بات واضحاً. ووفقاً لتقرير “الوظائف المستقبلية 2025” الصادر عن منتدى الاقتصاد العالمي، فإن الفترة من 2025 إلى 2030 ستشهد فقدان نحو 92 مليون وظيفة حول العالم، مقابل 170 مليون وظيفة جديدة سيتم خلقها، ما يعني صافي نمو قدره 78 مليون وظيفة أي بزيادة 7% عن الوضع الراهن.

التكنولوجيا تقود النمو

التحول الذي تقوده التكنولوجيا لا يقتصر فقط على القطاعات التقنية، لكنه يترك بصمته في كل القطاعات تقريباً. فالتقرير يشير إلى أن الوظائف التكنولوجية ستنمو بنسبة 20 إلى 25% خلال السنوات الخمس المقبلة، مقارنة بمتوسط نمو لا يتجاوز 7% في باقي القطاعات.

ويتوقع أن تظهر بين 12 و15 مليون وظيفة تقنية جديدة بحلول 2030، تشمل مجالات مثل:

  • تطوير البرمجيات

  • الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي

  • تحليل البيانات الضخمة

  • الأمن السيبراني

  • تصميم وتشغيل الروبوتات والأنظمة الرقمية

ومن المتوقع أن تتصدر وظائف تحليل البيانات هذا النمو بنسبة تفوق 30%، تليها وظائف التكنولوجيا المالية، ثم خبراء الذكاء الاصطناعي.

كما يشير التقرير إلى أن أغلب القطاعات باتت رقمية جزئياً، مما يعني أن الطلب على هذه الوظائف لن يقتصر على شركات التكنولوجيا، بل سيشمل الصناعات كافة، من التعليم إلى الرعاية الصحية، ومن الزراعة إلى النقل.

الرابحون من خارج القطاع التقني

وبينما تتجه الأنظار إلى قطاع التكنولوجيا، لا يمكن تجاهل النمو المتوقع في قطاعات أخرى أيضاً، حيث سيضيف:

  • قطاع الزراعة نحو 35 مليون وظيفة

  • قطاع النقل والخدمات اللوجستية حوالي 24 مليون وظيفة

  • قطاع الرعاية الصحية حوالي 21 مليون وظيفة

ويرى التقرير أن الرعاية الصحية والتعليم هما من أكثر القطاعات استقراراً، لارتباطهما بالتحولات الديموغرافية، وتزايد الطلب الناتج عن شيخوخة السكان وتوسع المدن.

وظائف في خطر

لكن الصورة ليست وردية بالكامل. فثورة الذكاء الاصطناعي ستقضي في المقابل على 92 مليون وظيفة تقريباً، أي ما يعادل 8% من إجمالي الوظائف الحالية. ويأتي على رأس هذه الوظائف المهددة:

  • إدخال البيانات

  • أمناء الصناديق (الكاشير)

  • سعاة البريد

  • المساعدون الإداريون والسكرتارية

  • الطباعة والمحاسبة والرواتب التقليدية

  • التسويق الإلكتروني منخفض المهارة

  • بعض مجالات التصميم الجرافيكي التقليدي

ويعود السبب في ذلك إلى قدرة تقنيات الذكاء الاصطناعي على تنفيذ هذه المهام بدقة أعلى، وبسرعة أكبر، وبتكلفة أقل.

تدريب أو خروج من السوق

للتعامل مع هذه التحولات، يبرز التدريب وإعادة التأهيل المهني كخيار لا غنى عنه. إذ يُتوقع أن يحتاج 59% من القوى العاملة العالمية إلى تدريب جديد بحلول 2030.

وينصح منتدى الاقتصاد العالمي بأن تستثمر الشركات في موظفيها بدلاً من تسريحهم، حيث يشير التقرير إلى أن 85% من أصحاب العمل يخططون لإطلاق برامج تدريب وتطوير مهني.

وتتركز المهارات المطلوبة في المستقبل القريب حول:

  • الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته

  • الأمن السيبراني

  • التحليل والتفكير النقدي

  • المهارات الرقمية

  • الإبداع والابتكار

كما يوضح التقرير أن نصف الشركات تقريباً تنوي إعادة تأهيل موظفيها ونقلهم إلى وظائف جديدة داخل المؤسسة نفسها، ما يقلل من معدلات البطالة الناتجة عن الأتمتة.

تكامل لا إلغاء

على عكس المخاوف الشائعة، لا يعني انتشار الذكاء الاصطناعي إقصاء الإنسان، بل يدعو التقرير إلى نموذج تكامل بين الإنسان والآلة؛ بحيث تتولى الأنظمة الذكية المهام الروتينية، بينما يركز البشر على الجوانب الإبداعية والتحليلية التي لا يمكن أتمتتها بسهولة.

هذا النموذج، إن تم تطبيقه بذكاء، يمكن أن يحقق مكاسب هائلة للإنتاجية، ويحافظ على التوازن الاجتماعي، ويمنح الأفراد فرصاً لتطوير حياتهم المهنية بشكل أفضل.

الاستعداد يبدأ الآن

ختاماً، يبعث التقرير برسالة واضحة: النجاة في سوق العمل المستقبلي لن تكون للأقوى فحسب، بل للأكثر مرونة وتعلماً وتكيفاً.

فعلى الحكومات أن تُحدث أنظمتها التعليمية لتواكب الواقع الجديد، وعلى الشركات أن تستثمر في رأس مالها البشري، وعلى الأفراد أن يعيدوا النظر في مهاراتهم ومستقبلهم المهني باستمرار.

الثورة القادمة ليست قادمة فقط، بل بدأت بالفعل. والقرار الآن بيد الجميع: إما اللحاق بالموجة، أو البقاء على الشاطئ في انتظار المجهول.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى