الخبير الاقتصادي فريد مالكي لـ”دينا براس”: الموازنة العامة في الجزائر رهينة النفط… والنمو مهدد بتقلبات الأسواق العالمية
أكد الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور فريد مالكي في تصريح خصّ به الموقع الإخباري “دينا براس” أن الموازنة العامة في الجزائر تمثل أحد أهم أذرع السياسات الاقتصادية التي تلجأ إليها الدولة لمعالجة التقلبات الدورية، ورفع معدلات النمو، وتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي. غير أن هذه الأداة – كما يقول – تواجه تحديات هيكلية عميقة بسبب ارتباطها الوثيق بالمورد النفطي الذي يشكّل العمود الفقري للإيرادات العامة.
وأوضح مالكي أن “التجربة الاقتصادية الجزائرية تُظهر نموذج نمو فريداً من نوعه، حيث تلعب النفقات الحكومية العامة الدور المحوري في تحريك معظم القطاعات الاقتصادية، بل تشكل مولداً رئيسياً للوظائف، فيما يبقى القطاع الخاص، حتى غير النفطي منه، معتمداً بشكل غير مباشر على عوائد النفط، من خلال رواتب موظفي الدولة والتعاقد مع المؤسسات العمومية”.
وأضاف الخبير أن “هذا التلازم بين القطاعين النفطي وغير النفطي جعل الاقتصاد الوطني هشّاً أمام تقلبات الأسعار العالمية، لاسيما بعد تراجع سعر برميل النفط إلى ما دون 70 دولاراً، ما ينذر بتأثيرات مباشرة على وتيرة النمو والاستقرار الاقتصادي في البلاد”.
وأشار مالكي إلى أن البنية المالية في الجزائر “تعاني من انكشاف خطير على الإيرادات النفطية”، نتيجة تراجع مساهمة الضرائب والرسوم وعوائد المؤسسات الاقتصادية العامة في تمويل الموازنة. وهو ما جعل المالية العامة عرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية العالمية، مؤكداً أن “الاعتماد المفرط على الريع النفطي زاحم أدوات السياسة المالية الأخرى، فعطل دورها في تحقيق التوازن والاستقرار المالي”.
كما عدّد الباحث مجموعة من التشوهات الاقتصادية الحرجة التي ترافق هذا النموذج، من أبرزها:
– ارتباط الموازنة العامة بالمورد النفطي بما يعرض الاقتصاد لمخاطر خارجية.
– هيمنة الإيرادات النفطية على أدوات السياسة المالية مما يضعف فعاليتها.
– إخفاق نموذج النمو القائم على النفقات العامة في بلوغ أهداف الرفاه والاستقرار.
– ضعف جدية الحكومات في تنويع القاعدة الاقتصادية.
– تشوه سوق العمل بسبب الإدمان على التوظيف العمومي وضعف استيعاب القطاع الخاص.
وفي السياق ذاته، دعا مالكي إلى “إعادة النظر في هيكلة الاقتصاد النفطي، واستغلال فترات تراجع الأسعار كفرصة لإصلاح شامل، يرتكز على دعم وتحفيز النمو الذاتي للقطاع الخاص بعيداً عن الاعتماد على الدولة”، مشدداً على ضرورة “تفعيل الإيرادات غير النفطية والحد من الهدر في النفقات العامة عبر اعتماد مبدأ العائد-الكلفة لضمان الترشيد والانضباط المالي”.
وأكد الباحث الاقتصادي أن “الموازنة العامة يجب أن تكون مرآة حقيقية لخطط التنمية والإصلاح الاقتصادي، وأن تتضمن مؤشرات للشفافية والرقابة على الأداء المالي الحكومي”، مشيراً إلى أن تعزيز دور القطاع الخاص وتحويله إلى محرك أساسي لتوليد الوظائف “يمثل خياراً استراتيجياً لضمان الاستدامة المالية والاجتماعية”.
واختتم مالكي تصريحه لـ”دينا براس” بالتأكيد على أن “استغلال الفوائض النفطية في فترات التعافي يجب أن يُوجّه نحو مشاريع استثمارية إنتاجية موجهة للتصدير، لخلق مصادر جديدة للعملة الصعبة، بدلاً من توظيفها في استثمارات مالية معرضة لتقلبات الأسواق العالمية”.
نسيمة شرلاح.